شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
32900 مشاهدة
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع

باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- رب مبلغ أوعى من سامع .
حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر قال: حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه- أو بزمامه- ثم قال: أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى ،قال أي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال:أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى.قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه .


هذا الحديث -كما عرفنا- تكلم به النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع وفي يوم النحر اليوم العاشر من ذي الحجة؛ وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخطبهم في أيام مواسم، فخطبهم في يوم التروية بمنى وفي يوم عرفة بعرفة وخطبهم في يوم النحر، وخطب أيضا في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ وذلك لأنهم اجتمع جمع كبير فأحب أن يخطبهم ويعلمهم في بعض الروايات: أنه لما خطبهم في منى فتح الله له الأسماع فسمعوه مع بعدهم؛ يعني يمكن أنهم سمعوه وهم في أقصى منى كانت خطبه كلها تعليما في أمورهم بما يتعلق بالحج، وبما يتعلق بغيره.
كان من جملة ما حدثهم به وخطبهم هذه الخطبة، سألهم: أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. سكتوا وسكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه؛ فسماه باسمه يوم النحر وهو من شهر حرام، أي شهر هذا؟ فسكتوا أو قالوا: الله ورسوله أعلم، سكت حتى ينبههم ويلفت انتباههم فقال: أليس شهر ذي الحجة؟ قالوا: بلى. سألهم بعد ذلك رواية: أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم سكت ثم قال: أليس بلد الله الحرام؟ في رواية: أليس البلدة؛ وذلك ليقررهم أن اليوم يوم حرام والشهر شهر حرام والبلد بلد حرام، وذلك لأنهم يعرفون هذا قبل الإسلام يعرفون البلد مكة أنها حرام لا يقاتلون فيها يلقى أحدهم قاتل أبيه ولا يهيجه ولا يقتله، إذا دخلوا مكة ألقوا السلاح ولا يقاتل أحد لاعترافهم بحرمة البلد وبكونها بلد البيت الحرام وبكونها حرم الله، وكذلك الأشهر الحرم وهي أربعة: شهر رجب في وسط السنة لا يقاتلون فيه؛ لأنهم يعتمرون فيه في وسط السنة الذين يكونون قريبا يسافرون في شهر رجب إلى العمرة وهم آمنون ويسمى رجب مضر لأن مضر القبيلة المشهورة يحترمونه، والثلاثة الأشهر التي فيها الحج ذو القعدة وذو الحجة والمحرم يحترمون هذه الثلاثة يحجون فيها، شهر ذي القعدة يسافرون فيه وشهر ذي الحجة يقيمون فيه بمكة أو حولها وشهر محرم يرجعون فيه إلى أهليهم فيكونون آمنين، فهذه أشهر حرم شهر حرام ويوم حرام وبلد حرام.
النبي -صلى الله عليه وسلم استفتاهم وسألهم فلما قالوا: حرام أو قال لهم حرام أكد عليهم تحريم بعضهم على بعض فقال: إن دماءكم وأموالكم، وفي رواية: وأعراضكم عليكم حرام؛ أعني حرام على بعضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ولا يكون ذلك خاصا بالأشهر الحرم بل بقية السنة وبقية العمر، احترموا بعضكم بعضا ولا يتجرأ أحد منكم على قتال المسلمين في شهر حرام أو في غير شهر حرام هكذا أكد عليهم.
ذكر بعضهم أن هذا الحديث ناسخ للأشهر الحرم اختصاصا كأنه يقول: إنكم ما تعترفون إلا بأربعة أشهر تتركون القتال فيها، وإن الإسلام جعل الأشهر كلها والسنة كلها حراما فاحترموا بعضكم في جميع الوقت في الأشهر الحرم وفي غيرها، فدماؤكم دماء بعضكم على بعض محرمة، وأموال بعضكم على بعض محرمة، وكذلك أعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
ولما بلغهم هذا قال: ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب؛ الشاهد يعني الحاضر منكم والذي سمع هذا الكلام؛ حيث إن هناك أناسًا غائبين، فعليك يا أيها الحاضر أن تبلغ الغائبين وتخبرهم بما سمعت من هذا الكلام ومن هذا التحريم، فرب مبلغ أوعى من سامع هكذا أمرهم بالبيان وبالتبليغ وهو عام في كل من حمل علما أن يبلغه إلى من لم يحمله أو لم يسمعه.
وهكذا أيضا قال في خطبته في عرفة فإنه خطبهم خطبة بليغة وذكرهم بأشياء فقال لهم- مثلا- إن كل دماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضعه دم ابن أبي ربيعة أحد أقاربهم....
... ثأرا بدم جاهلي أبدا ثم قال: وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس العباس كان له ربا على كثير من الناس فوضعه، يعني لا يطالب به لقول الله -تعالى- وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ وأوصاهم بالنساء وقال: إنكم أخذتموهن بأمانة الله إلى آخره، ثم قال بعد ذلك: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب؛ فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه واستشهدهم وقال: إنكم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال: اللهم هل بلغت، اللهم اشهد- كرر ذلك مرارا- .
فذلك من بيانه ومن تبليغه أمر بأن ينقل عنه، وأن لا يكتم العلم من علمه ورأى له مستحقا ورأى أنه بحاجة إليه، فأنت إذا حملت حديثا أو آية ورأيت من يجهلها أو من يعمل بخلافها فلا يسعك السكوت، عليك البيان عليك أن تبلغه عملا بهذا، ليبلغ الشاهد منكم الغائب الشاهد الحاضر السامع، والغائب الذي لم يسمع ولم يحضر فإنه قد يكون محتاجا إلى علم فهذا دليل على وجوب التبليغ وتحريم الكتمان.